عاممقال رئيس التحرير

نبيل فكري .. يكتب: ماذا لو كنّا هناك ؟!!

ماذا لو كنتُ هناك ؟ .. في غزة .. بين هؤلاء المرابطين الصابرين المحتسبين ؟ .. أولاً هل أكون أنا كما أنا الآن، أم أنني تبعاً لما كان وما عانيت وما عانى آبائي وأجدادي كنت سأصبح شخصاً آخر، بمواصفات أخرى وعقيدة أخرى واحتمال آخر.

تُرى ما جدوى هذا السؤال؟.

لا أدري .. لكنه مر بخاطري كثيراً، وأظن أنه مر بخواطركم أيضاً، وكم تخيلت نفسي أحياناً وسط هؤلاء، أدافع معهم عن «أقصانا»، لكنني لم أتخيل أنني «مت» .. أتخيل نفسي أقتل الأعداء في كل صوب وحدب.

أيضاً .. لماذا هذا السؤال وما جدواه؟ .. يقيني أنه «فارق» حتي في التوجهات والقرارات والمساندة، أو كيف ترى المرابطين هناك: مدافعين عن الأرض وعنَّا أنفسنا، أم أنهم كما رأتهم «إم بي سي».

عموماً .. ماذا لو كنّا هناك كما نحن هنا .. على حالنا المتردي وجهادنا بالبوست و«اللايك» و«الشير» .. لو كنا هناك على حالنا الذي هنا .. نترحم عليهم ونحن نرى صورهم وجثثهم، ثم ننزل إلى المقهى نلعب «عشرة طاولة» ونشرب «واحد سحلب».

ماذا لو كنَّا هناك كما نحن هنا .. نردد خلف الإمام «آمين» ثم نخرج مسرعين إلى الدنيا نبحث عن أي «عبث» والسلام .. نردد الدعاء خلف من يدعو في «التيك توك» ونغني بعدها خلف من يغني، ونتفحص جسد الراقصة، ونضحك على مقطع الفيديو الساخر، ثم نعود إلى مقطع من غزة فنبكي .. ثم نضحك .. ثم نرقص، ودواليك .. رحلة من عبث ومن جنون .. نقاطع «البيبسي» والكولا ونشتري القمح والتليفون ونتسول الدواء.

كما لو كنا هنا.. لا ندري ما نحن ولا ما الذي أصبحنا عليه .. «مسوخ» بلا هوية ولا في أي اتجاه نسير، بشوارعنا المبتلاة بالضجيج، وشبابنا التافه إلا من رحم ربي .. ورجالنا النائمون وأنا منهم، وبيوتنا المضجرة بالسخط وعدم الرضا.

أتدري، كيف كنَّا سنصبح لو كنا هناك «على حالنا الذي نحن عليه هنا» ؟

كنا سنهرب من أول يوم إلى أبعد نقطة عن غزة، لا يعنينا إلا أنفسنا وأبناؤنا.

كنا سنبحث من أول يوم عن طريقة للخروج من تلك الأرض التي لا نستحقها.

كنا سنسرق الأغذية الملقاة علينا، وربما نسرق من جيوب الشهداء.

كنا سنتبرأ من 7 أكتوبر ولن نشاهد في قنوات التليفزيون إلا أحمد موسى.

كنا سنبحث عن فتاوانا عند من يحرمون «إلقاء النفس في التهلكة»، متناسين أن فلسطين تحيا في «تهلكة» فُرضت عليها وعلى أهلها.

كنا سنتحزب بين يمين ويسار وإخوان، وسيكرهنا حتى المكان.

كنا على أقصى تقدير سنكتب الأشعار، ونهتف «واقدساه» ولا نفعل شيئاً للذود عن حماه.

كنا سنبكي كالنساء آناء الليل وأطراف النهار

كنّا سنخذل «السنوار».

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى